بير ود السوق

بئر ود السوق

لا شيء يشق صمت الليل المطبق سوى أصوات بعض الرضع والأطفال المرضى او بعض أصوات الأنعام التي يأتي صوتها في الليل كأنه صوت عويل امرأة مفجوعة أو أب مكلوم فتسرى في الأبدان قشعريرة باردة
الليل بظلامه المطبق يحاكى وحش كاسر يهدد القرية بالانقضاض فتصمت في خشوع مهيب00 يصمت حتى صوت الحفلة او (الدلوكه) فى الثلث الأول من الليل بينما يسقط الرحال من تعب ألعرضه على أنغام (الدلوكه) وصوت ((عمر ودعلى)) العذب الذي يسرى مع أنسام النيل الباردة كأنه قادم من نعيم الخلود ويخلد الصبيان إلي النوم ويروحون في ثبات عميق بعد ساعات من لعب ((شليل)) و((الدسوسية)) او((كرّع)) وكلها من الألعاب الشعبية السائدة فى المنطقة فيروح جميع الناس يغطون في ثبات عميق لا يفرقهم من أصحاب الكهف سوى نبيح كلاب القرية المتقطع البعيد0
000 ولكن سرعان ما يتغير الوضع إلى هذا الهدوء العجيب فيشق صمت الليل صوت أذان الفجر القادم من أعماق القرية معطياً إشارة لبداية يوم جديد 00 ونهار آخر؛ تتداخل أصوات (الديوك) مع أصوات بعض الأبواب التي تتفتح في ذلك السكون للذاهبين إلي صلاة الفجر00 ثم ما تلبث أن تغلق بسرعة كأنها تخشى عودة الليل مرة أخرى 00يأتى صوت (نحنحة) ثم كحه صغيرة أو عطسة مع صوت حذاء يرتطم بالأرض في تناغم دون مراعاة للنائمين فتعرف انه احد الرجال الكبار وهو ذاهب إلى صلاة الفجر التي لأتسمع أثناء أداؤها سوى تكبيرات الركوع والسجود والتسليم الاخيرة00تتدرج الأصوات في التداخل وكأنها ألوان في لوحه تشكيليه لفنان من العصور الوسطى0
فيخرج بعض العمال إلى ألزراعه ثم بعض أصحاب (الدكاكين) وبعض التلاميذ او خفير المدرسة يفتحون الأبواب والشبابيك للحصة الصباحية التي غالباً ما تبدأ قبل طابور الصباح 0
يزجر (الحسين وداللمين ) حماره وهو يصيح لابنه احمد قبل ان يصب مجموعه من الدعوات الغاضبة لا تدرى أنها على الحمار او احمد ولكن فقط تميز الكلمات الأخيرة مثل:(00-النار التتطلع عينك او المرض اللكتلك) ثم يدخل إلى المنزل ويعود وهو يحمل صينية الشاي الذي تعود على شربه أمام دكان( حاج الصديق) صباحاً 0
بتثاقل احمد ود الحسين وهو يسمع همهمات والده وهو يوقظه (لتقديم) الأغنام إلى الرعي ثم ينهض مسلما بالأمر في الآخر0
يخرج احمد وهو ينهر أغنامه في تكاسل ويقسم على الخروج من هذه البلد اللعينة وهذا البيت الشقي 00 كعادته أليوميه؛ ويستمر فى السير وهو يندب حظه الشوم ويسبه0
يمر (احمد) مع غنامه بهدوء على الجزارات التي كونت سوقاً صغيراً في المنطقة أصوات (الخضرجيه) المشهورين بكثرة الكلام وهم فى حجة دائمة مع المشترين من النساء كبيرات السن والرجال العجايز00 بينما ينهق حمار حاج محمود (الخضرجى) بصوت مزعج كأنما يريد محاكاة ضجة الناس من حوله 0 وتحدث (سكينه) (ست) الذلابيه (اللقيمات) جلبة أخرى بالمكان بضجيج الأطفال والنساء من حولها 0
وهنا يجد احمد نفسه يندفع تجاه رائحة الذلابيه الشهية ويخرج بعض النقود ليشترى الذلابيه 0
لم يشعر احمد بحرارة الذلابيه مع تلك النسمات الصباحية الباردة فراح يلتهمها بسرعة وهو يهرول لاحقاً بأغنامه 00 لكن فجأة وكأنما تذكر شيئاً انتفض احمد ووقف 0
لم يدر بخلده ولو للحظات بأنه سيقابلها في هذا الطريق بالذات والآن 00 هي أمامه مباشرة00 ماذا سيفعل هل يسلم أم يستمر في السير وإبداء عدم الانتباه كعادته00 لكنها على بعد خطوات 00كان يخشى الوقوف معها ويخشى حتى سلامها وعتابها الرقيق له وكأنها ام حنون 00 كانت (بدريه) في ذلك الصباح أكثر جمالاً ورونقا 00وهي تحمل حقيبتها المدرسية وترتدي الزى الأخضر الزرعى الجميل00، ارتبك قليلاً ثم اجتهد لإخفاء ارتباكه في السلام00 ومد طرف يده بحذر وكأنما يخشى أن ترده رغم تأكده التام من أن هذا لن يحدث 00طاطاء رأسه وهو يلقي عبارة السلام متحاشياً النظر الي عينيها المتسعتان 00 ثم أردف( كيف ناس البيت )وكأنما يريد ان يشعر شخص ما بداخله او بداخلها بأنهما (أولاد أهل)00ولم ينتظر إجابة منها فسرعان ما انتبه الى الشخص القادم فى بداية الطريق فراح متجاهلا ردها وكأنما لم يحدث شيئا0
بعد دقائق كان احمد وحيداً في خلا القرية وشمس الصباح الدافئة بدأت تتحول شيئا فشيئا إلى خيوط من اللهب في جبين احمد وهو سارح في ذلك اللقاء المفاجئ ف(بدريه) لم تكن من قبل تأتى بهذا الدرب وهو يعلم تماما انه ليس من الصدفة أن تحضر به00 ربما أرادت أن تقابله وتسأله عن تركه للدراسة وربما وربما000لكن المهم الآن عيناها البيضاويتين التين لازالتا لم تفارقا مخيلته 00 فراح يغنى بأعلى صوته 00 باثاً بإشجانه إلي أشجار الخلاء الصغيرة المتفرقة0
************************
فى النهار يعود احمد إلى المنزل ماراً بالمدرسة التي غالباً ما يسمع فيها أصوات تسميع القرآن الكريم أو رد الطلاب لسلام مدرسيهم بصوت متقطع ومنغم فيه شيئاً من البلاهة والفوضى000 عليكم00 السلام00ورحمة 00 الله00 تعالى 00 وبركاته بينما يسمع صوت ضرب احد التلاميذ فى (حوش) المدرسة لعله من المتأخرين والمهرجلين كما كان يكتب الألفة0
كان يستحضر هذه التفاصيل كل ما مرّ بطريق المدرسة أو سمع جرس الصباح او نشيد العلم
يرتاح قليلا اما دكان حاج الصديق مع( زهير) ابن حاج الصديق الذي يعاون والده في الفترة النهارية حينما يذهب لتناول القهوة فى (حوش)( أولاد حاج بلال)
********
لم يكن (الحسين ود اللمين) يعرف شيئاً عن السياسة ولا الحكومة (الجديدة) فقط كان يسمع عن انقلاب العساكر واستلام الجيش للبلد؛ وكان النقاش مستمراً وطويلاً امام (( بير ود السوق)) بين الرجال الكبار وأعيان البلد عن هذا الانقلاب وكانوا قد انقسموا إلى حزبين أو مجموعتين مجموعه معارضه ومتشائمة ومجموعة ترى إن البلاد بحاجة إلى حكم الجيش للخروج بها من ألازمه السياسيه00 ورغماً عن ضعف أسلوب الحوار وهمجيته إلا أن هذه هى خلاصته0
ويأتي صوت مذياع (ود صقير) من بين أصوات الرجال غير عابئا بالضجة والثرثرة الكثيرة
كان هذا المشهد يتكرر يومياً أمام ( بير ود السوق) بينما بعض الشباب يلعبون كرة القدم في الميدان القريب من السوق وبعض الرجال والنساء العائدات للتو من الغسيل في النيل يحملون (( بسكلاتهم وجرادلهم)) في انتظار ( سيد اللبن)
والشمس تعلن الغروب بإرسال أشعتها الحمراء المختلطة بغبار المزارع (وميدان الكورة) والأغنام العائدة من المرعى0
لبيداء ليل جديد ويصدح في أوله صبي ينادى أولاد الحي((الفريق)) للعب بالترنيمة المعتادة : (( يا مطارق ياعصى00 ((انعل)) أبوه الما بجي؛ فيخرج جميع الصبيان خوفاً من ان تحل اللعنة ب(( ابواتهم))0 وتصدح فتاتاً في طرف الحى بت رنيمة اخرى مناديةً للعب ))
يا بنات حلتنا تعالن العبن
الدنيا الفراقه تعالن العبن
تانى مابنتلاقى تعالن العبن

نواصل

تعليق
((هذه الرواية خياليه مأخوذة من واقع (بشاقراوى) سابق مع بعض التغيير فى الشخصيات والامكنة لاعتبارات الخيال والكتابةأتمنى أن تنال إعجابكم وان وأرجو ان لا تبخلوا بتعليقاتكم وآرائكم ولكم جزيل الشكر
الفاتح

يا الطيب صالح براحا علينا لمن لايعرفون الفاتح الطيب انسان شاعر بمعني الكلمه لكن اول مره اعرف انو قاص شكرا ليك ياابو الطيب

خجلتونا والله
ليكم الشكر على كلماتكم الكبيرة فى حقنا 00 ويكفى انو منكم نستمد الحب والروعه والالفة والجمال ونستلهم الفرح 00
وعشق البشاقرة000 والبى غيابكم تبقى تبقى شاغرة
ليكم تحياتنا
ياحسبو وبخارى وودالدقناوى وصديق العمر (مصعب)
وكل الحبايب

ابداع رائع
اتمنى لك التوفيق والتقدم
فقدابى

بكاري جنيات البلد 000قصب البلود00
00وش السعد 00صباح حلتنا 00
ضل قايلتها في عز النهارية 00
..............................
اخي الفاتح الطيب تحية ووقفة
مالك يافتي كلما افرحتنا بنظمك اظهرت خيبتنا في
في عشقنا وتوهجنا
مالك يافتي كلما اطفاءنا لهباً ترمينا
بقطع من نار اقسي
مالك يافتي تقسي علي اخوتك الكبار بهذه الموهبة الفذة
مالك يافتي تتعمد إضرام جذوة العشق التي تكابد عنت
وعناد الغربة اللعينة
مالك يافتي كلما احسسنا بحبنا واخلاصناً لهذه الحبيبة
تجعلنا نتحسس مشاعرنا ونبدؤ كمن لم يعرف بعد
رهق العشق وسبل الوصل
لكني يافتي رغم كل هذا الألم وجلد الذات
اجد عزائي في انك تحبها مثلي تماماً
ولا أغار منك عليها
لانك إبن بلادي
وستكون فخر بلادي
البشاقرة

بخارى
لك الود حتى نلتقى00 والتحايا ووعد بالوفاء لكلماتك الرائعة بحقى حتى تعود سالما وغانماً
وانا عاجز عن التعبير وتتملكنى ابتسامة هوجاء وانا اتأمل صدق تعابيرك التى تتخفى إلى ان تصل الى اعماق الاعماق 00
فأصير عندها اسيراً لدبلوماسيتك السودانية العظيمة وووووو
انا عاجز
فلك الشكر وللخال فقدابى فمنه تعلمنا ان نرتاد الخيال ونصنع الابتسامة إن كان يذكر

الفاتح ود اخوى انشاء اللة ربنا يحفظكم , اللة يحفظكم ويجعلكم منارة للعلم والتعلم ومزيد من الابداع
ولكم الشكر

طبعا الفاتح زول ممثل ومخرج وفنان يعنى ماشالله كشكول
وما مندهش وما فرحان ذيكم لانى بعرف الفاتح كويس وراسو ملان شديد
وما مشحود على البشاقرة
اتمنى ان يكون فى البشاقرة وليس الدمازين لكى يدعم الدورة المدرسية
وعيب الفاتح الوحيد امكن ما اواصل معاكم طوالى مشغول
يا مصعب امسك وارغو اقصد شوف صاحبك دا ما ازوغ الدمازين

يافاتح اها الجماعة ديل بعد دا ماتخذلهم
اما الدورة المدرسية دى لو اتعملت والناس بقت جادة فى موضوعها انحن حنعسكر ليها فى الحلة عدييييييييييييييييييييل كدة.

اني مزهول.........مزهول.........مزهول........لك منى كل الود والاحترام اخي (الفاتح).

ما شاء الله عليك يا الفاتح
انت بالجد مشروع لكاتب كبير
واصل سعيك واصل